المقدمة: رسم مسار من الأزمة إلى الصمود
يقدم هذا الإطار الإستراتيجي خلاصة نتائج التقييم الثاني لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ليقترح إستراتيجية متماسكة ومتسلسلة من أجل التعافي البيئي في قطاع غزة. إن حجم التدهور البيئي الناجم عن الصراع غير مسبوق، إذ يؤثر على كل جانب من جوانب الحياة ويخلق تحديات معقدة ومترابطة تهدد صحة ورفاه السكان لأجيال قادمة.
يؤكد هذا الإطار مبدأ جوهريًا: وهو أن استعادة البيئة ليست أولوية منفصلة أو مؤجلة لحين تلبية الاحتياجات الإنسانية؛ بل إنها أساس لا غنى عنه للصحة العامة والأمن الغذائي وإنعاش الاقتصاد والصمود طويل الأمد لسكان غزة. إن إعادة تأمين الوصول إلى المياه النظيفة، وإدارة المهمة الهائلة لإزالة الأنقاض، وتطهير الأراضي الزراعية من الملوثات، وإعادة بناء الخدمات الأساسية على أسس مستدامة هي شروط مسبقة لأي تعافٍ ملموس ودائم.
ويهدف هذا التقرير إلى توجيه التخطيط والاستثمار المنسقين بين الشركاء الدوليين والوكالات الإنسانية والجهات الفلسطينية المعنية، مع إبراز مجالات للتعاون مع الدول المجاورة والاستفادة من أطر وآليات التعاون الإقليمي القائمة. والغرض منه هو ضمان التعامل مع المهمة الهائلة لإعادة الإعمار باعتبارها فرصة لإعادة البناء على نحو أفضل، بحيث يُبنى مستقبل غزة ليس على ممارسات الماضي غير المستدامة، بل على مبادئ الاستدامة البيئية والصمود المناخي ورفاه الإنسان على المدى الطويل.
التحدي الأساسي: حجم التدهور البيئي
إن فهم الحجم غير المسبوق والطبيعة متعددة الجوانب للضرر البيئي يحتل أهمية استراتيجية قصوى. فلا بد أن يوجِّه هذا الفهم نطاق جميع جهود التعافي وإعادة الإعمار وتسلسلها وتوفير مواردها. لقد تسبب الصراع في انهيار كارثي للأنظمة الطبيعية والعمرانية التي يعتمد عليها سكان غزة، مما خلق أزمة هائلة الأبعاد.
وفيما يلي أبرز المؤشرات الرئيسية، المستقاة من التقييم الثاني لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي يتنبأ بالأضرار حتى منتصف عام ٢٠٢٥، والتي توضح مدى هذا الدمار البيئي متعدد المجالات:
- كميات هائلة من الأنقاض: تم توليد أكثر من ٦١ مليون طن من الأنقاض. وهذه الكمية تعادل عشرين ضعف إجمالي كل الأنقاض الناتجة عن الصراعات السابقة في غزة منذ عام ٢٠٠٨، مما يشكل تحديًا غير مسبوق على صعيد الإدارة واللوجستيات.
- انهيار كارثي للبنية التحتية: تعطلت الأنظمة الحيوية بشكل شبه كامل. فقد حدث انخفاض بنسبة ٨٤٪ في قدرة خزانات المياه ومحطات الضخ، والأخطر من ذلك عدم عمل أي من مرافق معالجة مياه الصرف الصحي في غزة، مما أدى إلى تصريف غير مضبوط لمياه الصرف.
- تدمير الأراضي الزراعية: تكشف تقييمات الاستشعار عن بعد في مايو ٢٠٢٥ أن ٩٧٫١٪ من المحاصيل الشجرية و٨٢٫٤٪ من المحاصيل الحولية قد تضررت. وقد أدى ذلك إلى شل قدرة غزة على إنتاج الغذاء ومحو جزء حيوي من اقتصادها.
- دمار هيكلي واسع النطاق: تُشير التقديرات إلى أن ٧٨٪ من جميع المباني في قطاع غزة قد دُمّرت أو تعرضت لأضرار، مما أدى إلى تشريد السكان وتوليد تلك الكميات الهائلة من الأنقاض التي تغطي المشهد حاليًا.
- أزمة حادة في الصحة العامة: إن الانهيار البيئي أجج حالة طوارئ صحية عامة بشكل مباشر. فقد ارتفع عدد حالات الإسهال المائي الحاد بمقدار ٣٦ ضعفًا، وأدى انهيار أنظمة الصرف الصحي إلى عودة ظهور فيروس شلل الأطفال مجددًا في العينات البيئية.
إن هذه الأضرار الكارثية ليست عقبة يستحيل تجاوزها، بل تمثل نقطة البداية التي يجب أن تنطلق منها عملية تعافٍ منهجية قائمة على العلم وشاملة للجميع.
الضرورات الاستراتيجية عبر القطاعات البيئية الرئيسية
ولتنفيذ الإطار المرحلي بفعالية، يقتضي الأمر إجراء تحليل متعمق للاستراتيجيات الأساسية في كل قطاع بيئي رئيسي. يقدم هذا القسم استعراضًا تفصيليًا للتحديات المترابطة في مجالات المياه وإدارة الأنقاض واستخدام الأراضي، رابطًا الإجراءات المحددة والتوصيات السياساتية بالهدف الأشمل المتمثل في إعادة إعمار مستدامة.
المياه والصرف الصحي: استعادة شريان الحياة للصحة العامة
إن انهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة يعد محركًا أساسيًا لأزمة الصحة العامة المستمرة. ويجب أن تلبي جهود التعافي احتياجات مزدوجة تتمثل في استعادة الإمدادات الفورية لوقف انتشار الأمراض، وفي الوقت نفسه التخطيط لمستقبل آمن مائيًا ومستدام. ويتطلب ذلك تغييرًا استراتيجيًا بعيدًا عن الممارسات غير المستدامة التي اتسمت بها الحقبة السابقة للصراع.
التوصيات الإستراتيجية الأساسية تشمل:
- إعادة التأهيل العاجل للنظام: يجب أن تكون الأولوية الفورية هي إعادة بناء أنظمة المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي لمنع مزيد من تفشي الأمراض المعدية. إن الفشل شبه الكامل لهذه الأنظمة يخلق ظروفًا مهيأة لتفشي الأوبئة، وتؤكد الدروس المستفادة من تفشي الكوليرا بعد الأزمات – مثلما حدث في هايتي – على مدى إلحاح استعادة الخدمات الأساسية.
- الإدارة المستدامة للخزان الجوفي: توفر عملية إعادة الإعمار فرصة حاسمة للتحول بعيدًا عن الضخ المفرط التاريخي للمخزون الجوفي الساحلي. ويوفر السيناريو المائي لعام ٢٠٣٠ المستمد من برنامج الأمم المتحدة للبيئة نموذجًا واضحًا: تلبية طلب إجمالي قدره ٢٧٤٫٤ مليون متر مكعب سنويًا مع حصر استخراج المياه الجوفية عند ٥٠ مليون متر مكعب سنويًا فقط. ويتطلب ذلك استثمارًا استراتيجيًا لتوليد أكثر من ١٣٠ مليون متر مكعب سنويًا من التحلية و٧٤ مليون متر مكعب سنويًا من مياه الصرف الصحي المعاد تدويرها.
- المياه العادمة كمورد: ينبغي التعامل مع إعادة بناء مرافق معالجة مياه الصرف الصحي على أنه استثمار استراتيجي في الأمن الغذائي. فمن خلال تصميم أنظمة تعالج مياه الصرف الصحي بمعايير عالية، يمكن إعادة استخدامها بأمان في الزراعة، كما هو موضح في استراتيجية إعادة الاستخدام الوطنية التابعة لسلطة المياه الفلسطينية. يحقق هذا النهج حماية للبيئة من التلوث ويوفر مصدرًا مائيًا مرنًا مناخيًا للإنتاج الغذائي المحلي، مما يقلل الاعتماد على الخزان الجوفي المعتمد على مياه الأمطار ويعزز السيادة الغذائية على المدى الطويل.
- تصميم يراعي النوع الاجتماعي: يجب أن يضمن تصميم وتوزيع جميع مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH) الجديدة سلامة النساء، والفتيات، وخصوصيتهن، وكرامتهن. ووفقًا لتوصيات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، يشمل ذلك توفير إضاءة كافية وأقفال وسبل إتاحة الوصول، وهي أمور ضرورية لتمكين مشاركة أكبر للنساء والفتيات في التعليم وسوق العمل.
الأنقاض والبيئة الحضرية: تمهيد الطريق نحو مستقبل قادر على الصمود
إن التعامل مع أكثر من ٦١ مليون طن من الأنقاض يمثل الشرط الأساس الذي لا غنى عنه لجميع أنشطة الإغاثة والتعافي وإعادة الإعمار الأخرى. ولمواجهة هذا التحدي الجوهري، تم إنشاء فريق عمل متعدد الوكالات لإدارة الأنقاض في غزة. ويوفر «إطار إدارة الأنقاض» الخاص به النهج الأساسي المُدار بالمخاطر لجميع العمليات اللاحقة، حيث ينظر إلى الأنقاض ليس كمجرد نفايات، بل كمورد لإعادة البناء.
هناك حاجة ملحّة إلى اعتماد إعادة التدوير كضرورة حتمية. فبالنظر إلى الكثافة السكانية العالية في غزة ومحدودية الأراضي المتاحة، فإن دفن الأنقاض في مدافن يتطلب مساحة تقدر بـ٧٢٧ هكتارًا هو أمر غير قابل للتطبيق إطلاقًا. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي إعادة تدوير ٥٠٪ من الأنقاض إلى تحقيق وفر في التكلفة يُقدر بحوالي ٢٠٪ لعملية إدارة الأنقاض بأكملها.
وعلى سبيل التوضيح، تشير التقديرات إلى أن عمليات التعامل مع الأنقاض ستكلّف حوالي ٩٦٦ مليون دولار أمريكي إذا أُعيد تدوير ٥٠٪ من الأنقاض، مقارنةً بـ١٫٢ مليار دولار إذا تم التخلص من جميع الأنقاض دون إعادة تدوير. وقد وُضعت بروتوكولات فريق عمل إدارة الأنقاض في غزة بحيث تتغلب على المخاطر الحاسمة المتأصلة في هذه العملية، وأهمها:
- إدارة المواد الخطرة: تحتوي الأنقاض على طائفة من المواد الخطرة التي تتطلب معالجة متخصصة. ويشمل ذلك الأسبستوس من المباني القديمة في المخيمات، والمواد الكيميائية الصناعية من المنشآت المتضررة، والمعادن الثقيلة من آلاف ألواح الطاقة الشمسية المدمرة.
- أخطار الذخائر غير المنفجرة: هناك تركيز عالٍ من الذخائر غير المنفجرة المندمجة ضمن الأنقاض، مما يشكل تهديدًا قاتلًا لفرق الإزالة والسكان. إن الإزالة والتخلص الآمن من قبل فرق متخصصة هي الخطوة الأولى الحاسمة لمنع وقوع مزيد من الخسائر في الأرواح والتلوث البيئي المستقبلي.
- الاستعادة الكريمة للرفات: مع الاعتقاد بأن حوالي ١٠٬٠٠٠ شخص مدفونون تحت الأنقاض، يجب أن تُنفذ عمليات إزالة الأنقاض بأقصى درجات الحساسية، وأن تتضمن إجراءات للاستعادة الكريمة لرفات الضحايا وتحديد هوياتهم والتعامل معهم بالشكل اللائق.
وفي المرحلة المقبلة، يجب أن تسترشد جهود إعادة الإعمار العمراني بمبادئ الصمود المناخي وقابلية العيش. ويشمل ذلك اعتماد نهج «البناء الأخضر» مثل معايير LEED وEDGE وBREEAM، لإدارة آثار الحرارة الشديدة، والتخطيط لأنظمة نقل عام ميسّرة الوصول لجميع السكان، بما في ذلك الشريحة الكبيرة من الأطفال مبتوري الأطراف، والحفاظ على المساحات الخضراء العامة باعتبارها موارد حيوية لصحة المجتمع ورفاهيته.
الأرض والتربة والأمن الغذائي: استعادة القدرة الإنتاجية للأراضي
إن إعادة تأهيل الرقعة الزراعية في غزة تمثل شرطًا لا يقبل المساومة لتجنب حدوث مجاعة طويلة الأمد وإعادة بناء ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد. ولذلك، يجب أن تسعى استراتيجية التعافي بحزم إلى التصدي لتحديين متلازمين: تطهير الأراضي من الذخائر والنفايات، وفي الوقت نفسه الإسراع في استئناف الإنتاج الغذائي للتخفيف من حدة ظروف المجاعة.
- تقييم منهجي للتربة: هناك حاجة ماسة لإجراء مسح واسع النطاق لرسم خريطة مدى ونوع الملوثات في الأراضي الزراعية. إن هذا التقييم العلمي ضروري لتحديد المناطق التي يجب منع الزراعة فيها إلى أن يكتمل تنظيفها، وبالتالي حماية الصحة العامة ومنع دخول الملوثات إلى سلسلة الغذاء.
- حماية ما تبقى من الأراضي السليمة: يجب تحديد وحماية المساحات الصغيرة، ولكن المهمة من الأراضي الزراعية التي بقيت دون أضرار في جميع خطط استخدام الأراضي المستقبلية. إن الحفاظ على هذا التنوع في استخدامات الأراضي أمر أساسي للحفاظ على قاعدة للتعافي الزراعي والمرونة البيئية. ومن الضروري ضمان أن يتم تشييد المساكن المؤقتة والبنية التحتية الإغاثية بعناية لتجنب الإضرار بهذه المناطق المنتجة المتبقية، إذ إن الحفاظ عليها جوهري للإنتاج الغذائي في الأجل القريب.
- إعطاء الأولوية للنساء في قطاع الزراعة: إن تدمير سجلات الأراضي يؤثر على النساء بشكل غير متناسب. ويجب أن تشمل جهود التعافي دعمًا مخصصًا للمجموعات الإنتاجية التي تقودها النساء ودعمًا لحقوق الحيازة المشتركة لضمان مشاركتهن الاقتصادية الكاملة وتمكينهن في القطاع الزراعي المُعاد تنشيطه.
- إعادة تأهيل وادي غزة: يجب أن تكون إعادة تأهيل وادي غزة أولوية استراتيجية. فباعتباره ممرًا بيئيًا حيويًا، فإن إعادة إحيائه ضرورية لحماية التنوع البيولوجي الإقليمي، ودعم هجرة الأنواع، وتوفير مورد طبيعي فريد ولا غنى عنه لسكان غزة.
الحوكمة والقدرات المؤسسية: ممَكنات التعافي الناجح
إن الخطط الفنية والاستثمارات المالية – مهما كانت محكمة الإعداد – ستبوء بالفشل في نهاية المطاف بدون أطر حوكمة متينة وقدرات مؤسسية قوية لقيادة عملية التعافي وتنسيقها ورصدها. فنجاح جهود إعادة الإعمار ومشروعيتها واستدامتها على المدى الطويل يعتمد على تمكين القيادة الفلسطينية والاستفادة من الخبرات المحلية.
- فرض إجراء مسح مبكر للمخاطر: تماشيًا مع توصية برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يجب الشروع فورًا في إجراء مسح للمخاطر البيئية والصحية. سيسمح ذلك باتباع نهج منهجي قائم على الأدلة لتحديد أشد المناطق حرجًا من حيث الحاجة إلى التقييم والمعالجة وإعطائها الأولوية.
- تعزيز المؤسسات الفلسطينية: يجب توجيه استثمارات محددة نحو إعادة بناء القدرات الأساسية للتخطيط والرصد وإنفاذ القوانين لدى سلطة جودة البيئة الفلسطينية وغيرها من الهيئات المعنية. فالمؤسسات الوطنية القوية هي الأساس لضمان تعافٍ مستدام وإدارة جيدة لعملية التعافي.
- تسخير الخبرات المحلية: يجب أن تستفيد جهود إعادة الإعمار من المعرفة العميقة والتجربة الواسعة التي يتمتع بها العلماء والمهندسون والمخططون والاختصاصيون البيئيون الفلسطينيون من الجامعات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية. فمشاركتهم ضرورية لتطوير حلول ملائمة للسياق وفعّالة.
- ضمان التنسيق بين القطاعات: يجب إنشاء آليات تنسيق قوية لضمان دمج الاعتبارات البيئية بالكامل في جميع خطط التعافي القطاعية، بما في ذلك الإسكان، والصحة، والبنية التحتية، والاقتصاد. إن النهج المتكامل ضروري لتجنب التخطيط المجزأ وتعظيم المنافع المشتركة.
إن هذه المبادئ في مجال الحوكمة هي المفتاح لترجمة هذا الإطار الاستراتيجي من رؤية على الورق إلى نتائج ملموسة ودائمة على أرض الواقع.
أثر طويل الأمد: تهديدات عابرة للحدود ودين بين الأجيال
من المتوقع أن تُخلّف الأضرار البيئية التي لحقت بقطاع غزة آثارًا عميقة وواسعة النطاق ودائمة، مما يخلق إرثًا بيئيًا سامًا سيؤثر على النظم البيئية والتنوع الحيوي وقدرة البيئة على الصمود لأجيال قادمة.
وتعد إمكانية حدوث تلوث وتدهور لا رجعة فيهما في الخزان الجوفي الساحلي إحدى أخطر العواقب طويلة الأمد، مدفوعةً بالاستخراج المفرط، وتسرب مياه الصرف الصحي الخام، والتلوث الناجم عن الذخائر ورشح النفايات، مما سيستلزم عقودًا من العمل لاستعادة جودة المياه وكمياتها.
وبالمثل، يُتوقع حدوث تلوث واسع النطاق في التربة الزراعية، حيث يُرجح أن تبقى الملوثات – بما في ذلك المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الناجمة عن الذخائر – في البيئة لفترات طويلة، مما يعكس اتجاهات شهدتها مناطق نزاع أخرى استمر فيها التلوث لأكثر من قرن. إن هذا الضرر الذي لحق بالتربة، إلى جانب فقدان الغطاء النباتي وانضغاط التربة بسبب الأنشطة العسكرية، يمكن أن يؤدي إلى فقدان طويل الأمد للتربة يستغرق عقودًا للتعافي، مما يعوق الإنتاج الزراعي المستقبلي ويُكرّس انعدام الأمن الغذائي.
علاوة على ذلك، تواجه البيئة البحرية أخطار تلوث مزمنة، حيث يتطلب تعافي الحياة النباتية والحيوانية الطبيعية من التصريف المستمر لمياه الصرف الصحي وقف إدخال الملوثات لمدة تتراوح بين ١٠ و٢٥ عامًا. كما أن انهيار المواقع البيئية الإقليمية – مثل وادي غزة – يحمل عواقب إقليمية أوسع على التنوع البيولوجي والاستقرار البيئي.
وفضلاً عن ذلك، فإن الحجم الهائل للأنقاض الناتجة عن النزاع – والذي يقدر بأكثر من ٦١ مليون طن – يشكل تحديًا لوجستيًا يمتد لعقود. فمن المتوقع أن يستغرق التخلص من الأنقاض ما يصل إلى ١٥ عامًا، في حين قد تستمر جهود إعادة التدوير واسعة النطاق حوالي ٤٥ عامًا، وذلك بالإضافة إلى السنوات العديدة اللازمة لإزالة الذخائر غير المنفجرة.
إن هذه التداعيات الخطيرة ذات طابع عابر للحدود، مما يستدعي تعاونًا منظمًا وعاجلًا بين السلطات الفلسطينية والدول المجاورة للتخفيف من المخاطر الإقليمية وضمان تعافٍ مستدام. ويُعد التعاون أمرًا بالغ الأهمية لأن التأثيرات – ولا سيما المتعلقة بالتلوث وأنظمة المياه والنظم البيئية – تتجاوز حدود غزة. إن مواجهة هذه المخاطر المشتركة تتطلب جهدًا منسقًا يتوافق مع الالتزامات الدولية.
فيما يلي بعض الآليات المقترحة للتعاون الإقليمي في مواجهة التأثيرات البيئية:
إدارة التلوث البحري العابر للحدود وأنظمة المياه
- السيطرة على تلوث مياه الصرف الصحي: لقد أدى تدمير مرافق معالجة مياه الصرف الصحي إلى التصريف المستمر لمياه الصرف الصحي غير المعالجة في المياه الساحلية لغزة. يؤثر هذا التلوث على البيئة البحرية ونوعية السواحل في شرق البحر الأبيض المتوسط. يجب أن يركز التعاون على إعادة تركيب قدرات فعالة لجمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها على وجه السرعة لمنع المزيد من التأثيرات على صحة الإنسان والقضاء على هذه التدفقات الملوثة العابرة للحدود.
- إدارة الموارد المائية: نظرًا لاعتماد غزة على إمدادات مائية من خارج حدودها، هناك حاجة ملحة لتعاون ثنائي فوري لاستعادة شبكات نقل المياه المدمرة والحفاظ على تدفق الإمدادات.
- الامتثال للاتفاقيات الدولية: يجب أن تضمن الجهود التعاونية عدم تلويث البيئة البحرية، تماشيًا مع مبادئ حماية البيئة الأساسية ومتطلبات اتفاقية برشلونة، والتي يمكن أن تشكل أساسًا مهمًا للتعاون في هذا الصدد.
النفايات الخطرة والتخلص من الأنقاض
- الأطر القانونية الدولية: إن إدارة النفايات الخطرة تتطلب الالتزام باتفاقية بازل، حيث تُعَدّ دولة فلسطين وجميع الدول المجاورة أطرافًا فيها. ويُعتبر التعاون ضروريًا للتخلص السليم من المواد الخطرة وفقًا للأنظمة والمعايير الدولية.
- النقل الإلزامي للنفايات: تُلزم اتفاقية أوسلو الثانية بنقل النفايات الخطرة إلى إسرائيل لحين إنشاء مرافق فلسطينية دائمة للتخلص منها. وعليه، يجب أن تتعاون الدول المجاورة في وضع استراتيجيات للتعامل مع هذه النفايات الخطرة، وضمان أن عمليات إزالتها وفرزها والتخلص منها أو نقلها لا تفاقم المخاطر البيئية أو تنتهك سياسات مكافحة التلوث.
حماية النظم البيئية المشتركة وسلامة السواحل
- ممر وادي غزة: يُعد ممر وادي غزة موقعًا بيئيًا ذا أهمية إقليمية، إذ يدعم هجرة الأنواع بين إفريقيا وآسيا ويقدم خدمات بيئية مهمة لمنطقة شرق البحر المتوسط. يجب على الدول المجاورة التعاون لضمان الحفاظ على هذا الممر كمنظومة هيدرو-بيئية فعالة، لما له من أهمية في إدارة الفيضانات والموارد المائية.
- تقييم استصلاح الأراضي الساحلية: يجب أن يتم أي تخطيط لاستصلاح الأراضي الساحلية – والذي قد يتضمن ردم البحر بالأنقاض – ببالغ الحذر لتجنب الآثار السلبية على الموائل في مناطق مصبات الأنهار وعلى شكل ساحل غزة. وينبغي إجراء دراسات مستفيضة حول البيئة الساحلية، مع مراعاة التأثير على الدول المجاورة فيما يتعلق بالتغيرات في معدلات التعرية والترسيب على طول الشريط الساحلي وقدرة السواحل على الصمود المناخي.
تبادل البيانات والرصد والتخطيط
التقييم العلمي: نظرًا لمحدودية إمكانات الوصول، يصعب الحصول على تقييم كامل للأضرار البيئية. يجب أن تتعاون الدول المجاورة لدعم تقييمات علمية شاملة لتحديد مدى التلوث – على سبيل المثال المعادن الثقيلة من الذخائر – التي تؤثر على الموارد المشتركة كالخزان الجوفي الساحلي والتربة ورواسب البحر.
مراقبة جودة الهواء: ينبغي التعاون في مراقبة جودة الهواء، حيث يمكن للرياح والأمطار نقل الملوثات (مثل غبار الهدم) إلى ما هو أبعد من موقع الضرر الأصلي.
دمج الأبعاد البيئية في جهود التعافي: من خلال دمج التحليلات البيئية والتوصيات في خطط التعافي الوطنية والدولية، يمكن للشركاء تعزيز فرص معالجة المخاطر المباشرة وتقليل العواقب البيئية العابرة للحدود إلى الحد الأدنى.
وخلاصة القول، إن التعاون بين الدول المجاورة يعمل كحاجز بيئي واقٍ: فبدون آليات مشتركة للتصدي للتلوث البحري ونقل النفايات الخطرة وحماية النظم البيئية، سيتجاوز التدهور داخل غزة الحدود السياسية حتمًا، محولًا كارثة محلية إلى تهديد إقليمي مستمر.
إطار متسلسل للتعافي: من الإغاثة الفورية إلى الاستدامة طويلة الأمد
إن تعقيد الأزمة البيئية في غزة يستلزم اعتماد نهج متدرج ومتسلسل بعناية. إن وجود إطار استراتيجي ينتقل من التدخلات الفورية المنقذة للحياة إلى تحقيق استقرار النظم الأساسية، وأخيرًا إلى إعادة الإعمار المستدام على المدى البعيد، هو أمر حاسم لتحقيق النجاح. ويضمن هذا النهج ترتيب الإجراءات حسب الأولوية لمعالجة أكثر المخاطر إلحاحًا على صحة الإنسان والبيئة أولاً، مع تمهيد الأساس لمستقبل قادر على الصمود ومزدهر.
خارطة الطريق للتعافي البيئي
وتنقسم خارطة الطريق للتعافي البيئي إلى ثلاث مراحل أساسية كما يلي:
المرحلة الأولى: الإغاثة العاجلة
التركيز الأساسي: التدخلات المنقذة للحياة والتخفيف من المخاطر.
الإجراءات البيئية الرئيسية:
- إعطاء الأولوية لإعادة بناء منظومات المياه والصرف الصحي.
- الشروع في إزالة الأنقاض بصورة طارئة لتسهيل الوصول الإنساني.
- إقامة مواقع للتخزين المؤقت للأنقاض وإدارة النفايات الخطرة.
- تنفيذ تدابير لفرز المواد الخطرة (مثل الأسبستوس والنفايات الصناعية) وتقليل إعادة انتشار الملوثات.
- تأمين ما تبقى من الأراضي الزراعية الصالحة والبدء في إجراء مسوحات منهجية للتربة.
- حماية المناطق البيئية الحساسة مثل وادي غزة من إلقاء الأنقاض والبناء العشوائي.
تركز المرحلة الأولى على التدخلات الفورية المنقذة للحياة التي تهدف إلى تثبيت الأوضاع الإنسانية ومنع تفشي أوبئة كارثية في الصحة العامة. وتتمثل خطوة أولية في إجراء فحص مبكر للمخاطر البيئية والصحية لتحديد المناطق ذات الأولوية للتقييم والمعالجة.
وتكتسي تدخلات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH) أهمية قصوى في هذه المرحلة. وتتمثل الأولوية العاجلة في إعادة بناء أنظمة المياه والصرف الصحي في أقرب وقت ممكن لتقليل أخطار التلوث وتفشي الأمراض. وينبغي أن يستند ذلك مباشرة إلى خطط الاستجابة والتخطيط الجارية. كما يتطلب الأمر إعادة تركيب عاجلة لقدرة كافية على جمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها لمنع التأثيرات الفورية على صحة السكان ووقف الزيادة الهائلة في الأمراض المعدية التي لوحظت منذ تصاعد النزاع. وعلاوة على ذلك، فإن استعادة هذه الخدمات تنطوي على فوائد اجتماعية مهمة، لا سيما للنساء والفتيات.
وتستوجب إدارة النفايات الخطرة والأنقاض اهتمامًا فوريًا نظرًا لوجود رفات بشرية وألياف الأسبستوس ومعادن ثقيلة وذخائر غير منفجرة ضمن الأنقاض. يجب الشروع في إزالة الأنقاض الطارئة لتسهيل الحركة الآمنة وإيصال المساعدات الإنسانية. ومن الضروري أن تقلل جميع عمليات الإزالة من إعادة انتشار الملوثات إلى الحد الأدنى، مع ضمان فرز الملوثات الخطرة مثل الأسبستوس والنفايات الصناعية والتخلص الآمن منها. ويجب تحديد مواقع مناسبة مؤقتة للتخزين وإعادة التدوير والتخلص من الأنقاض والنفايات الخطرة وإنشاؤها بسرعة، الأمر الذي يستلزم إجراء تقييمات للأثر البيئي لهذه المواقع. وبالتوازي مع ذلك، يجب تنظيف مواقع تراكم النفايات المؤقتة والعشوائية للقضاء على المخاطر الوشيكة على الصحة العامة، وينبغي الضغط على السلطات للسماح بالوصول إلى مدافن النفايات الصحية وتوفير المعدات الضرورية للتعامل السليم مع النفايات.
ويعد حماية النظم البيئية خلال فترة الطوارئ أمرًا ضروريًا، إذ يتطلب اتخاذ تدابير لتأمين وإصلاح الأراضي الزراعية الصالحة المتبقية. يجب على المخططين حماية المناطق البيئية الحساسة – مثل وادي غزة والشواطئ – من الأنشطة غير الملائمة كإلقاء الأنقاض أو البناء العشوائي، والتي قد تعيق جهود التأهيل على المدى الطويل.
المرحلة الثانية: التعافي قصير ومتوسط الأمد (التقييم وإعادة التأهيل)
التركيز الأساسي: استقرار النظم وعمليات إزالة التلوث.
الإجراءات البيئية الرئيسية:
- إعطاء الأولوية لإزالة التلوث من الأراضي الزراعية شديدة التلوث.
- وضع نظام صارم لمراقبة جودة الأغذية والمياه للكشف عن الملوثات.
- وضع والبدء بتنفيذ استراتيجيات شاملة لإدارة الأنقاض والنفايات الصلبة.
- إدارة التصريف الآمن للمياه العادمة المعالجة لحماية البيئة البحرية.
- تحديد مواقع التراث الثقافي وعناصره وحمايتها خلال عمليات إزالة الأنقاض.
تركز هذه المرحلة على التقييم البيئي المنهجي، وتخفيف التلوث، والإدارة الاستراتيجية للموارد تمهيدًا لإعادة الإعمار الشامل.
ويجب إطلاق جهود تقييم ورصد شاملة، بما في ذلك إجراء تقييم ميداني كامل للأضرار والاحتياجات. هناك حاجة لإجراء مسح منهجي واسع النطاق للتربة لتحديد نطاق الملوثات الموجودة – مثل الذخائر والمعادن الثقيلة – خصوصًا في المناطق الريفية. كما يتطلب الأمر إجراء مسح عاجل للمياه الجوفية لتقييم الحالة الحالية للخزان الجوفي، بما في ذلك جودة المياه ومستوى تداخل مياه البحر. واستنادًا إلى النتائج، يجب مراقبة جودة الغذاء والمياه للكشف عن التلوث من أجل فرض قيود على الاستهلاك وتوجيه إجراءات المعالجة. وعلاوة على ذلك، يمكن للخبراء الدعوة إلى إنشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق البيئية بهدف توثيق الأضرار بدقة ووضع الأساس لاستعادة البيئة والتعافي على المدى الطويل.
وينبغي أن تُركِّز جهود إعادة التأهيل المستهدفة على تنظيف المناطق الريفية الأكثر تلوثًا وتطهيرها، للحد من دخول الملوثات إلى السلسلة الغذائية. وعلى صعيد الزراعة، سيكون تأهيل المناطق التي تعرضت لأضرار طفيفة أسهل وأكثر جدوى على المدى القصير مقارنةً بالمناطق شديدة الضرر. ويجب أن تراعي عملية التخطيط استخدامات الأراضي قبل النزاع وأن تتضمن تواصلاً توعوياً مراعيًا للنوع الاجتماعي بخصوص تلوث التربة.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب تطوير استراتيجيات وخطط عمل رسمية لإدارة الأنقاض والنفايات، والبدء فورًا بتنفيذ برنامج واسع النطاق لإزالة الأنقاض وإعادة تدويرها. كما ينبغي إيلاء الاهتمام لتحديد مواقع التراث الثقافي وممتلكاته وحمايتها أثناء عمليات إزالة الأنقاض لتمكين ترميمها المحتمل في المستقبل.
المرحلة الثالثة: إعادة الإعمار والتخطيط على المدى المتوسط والطويل (الصمود والاستدامة)
التركيز الأساسي: بناء القدرة على الصمود وتحقيق الاستدامة.
الإجراءات البيئية الرئيسية:
- إعادة تأهيل بيئة وادي غزة بالكامل كمنظومة بيئية مائية فعّالة.
- تنفيذ خطة مستدامة لإدارة المياه تقضي على الاستغلال المفرط للمخزون الجوفي، بالاعتماد على التحلية وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي.
- دمج تصميم المباني الخضراء ووسائل النقل المستدامة والمساحات الخضراء المفتوحة في خطط إعادة الإعمار العمراني.
- تركيب بنية تحتية شاملة لمعالجة مياه الصرف الصحي تتيح إعادة استخدامها في الزراعة.
- تطوير نظم طويلة الأمد ودائرية لإدارة النفايات الصلبة، بما في ذلك إعادة التدوير ومدافن النفايات الصحية الآمنة.
تهدف المرحلة النهائية إلى تحقيق تنمية مستدامة وصامدة مناخيًا، من خلال معالجة أوجه القصور البيئي المزمنة وضمان الاعتماد على الذات على المدى البعيد.
وتشكّل الإدارة المستدامة للموارد المائية أولوية أساسية، مما يستدعي التخطيط التعاوني مع سلطة المياه الفلسطينية لضمان استخدام مستدام للمياه في المستقبل. ويجب أن يتجنب هذا الاستخدام الإفراط في استنزاف الخزان الجوفي الساحلي عن عمد، مما يتيح التعافي التدريجي وطويل الأمد لجودة المياه وكمياتها. وتتطلب الاستراتيجية تركيب قدرة كافية على جمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها بمستوى معالجة عالي الجودة (ثلاثي). ومن الضروري أن تشمل الخطة إنشاء البنية التحتية وتعزيز القدرات الزراعية بما يسمح بإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، الأمر الذي يُعد ضروريًا لتعظيم الفوائد الزراعية الاقتصادية، ومنع التلوث الثانوي في البيئة البحرية والبرية، وتجنب العودة إلى الاستخراج المفرط للمياه الجوفية لتلبية الاحتياجات الزراعية. وعلاوة على ذلك، يجب على المخططين حماية أحواض تغذية المياه الجوفية من التنمية العمرانية غير الملائمة، وضمان أن تعمل البنية التحتية لتصريف المياه على زيادة تجميع مياه الأمطار لإعادة تغذية الخزان الجوفي.
ويجب أن تكون البنية التحتية الحضرية القادرة على الصمود مناخيًا هي المعيار في إعادة إعمار غزة. ينبغي أن تحسّن جهود إعادة الإعمار القدرة على الصمود طويل الأمد أمام تغير المناخ، وأن تدمج نهج «البناء الأخضر» (مثل التبريد السلبي)، وأن تستفيد من المساحات الخضراء وأنظمة النقل المستدامة للتخفيف من تأثير جزيرة الحرارة الحضرية (Urban heat island effect) وتعزيز الصحة العامة. ونظرًا لعدد المدنيين المصابين ممن بُترت أطرافهم، يجب أن تراعي خطط النقل العام تحقيق أقصى درجة من إمكانية الوصول لأولئك الذين يعانون من محدودية الحركة. ويجب تطوير نظم طويلة الأمد للتخلص من النفايات الصلبة، بما في ذلك مرافق مدافن صحية، إلى جانب إنشاء البنية التحتية اللازمة لإعادة تدوير المواد وإعادة استخدامها للانتقال نحو مبادئ الاقتصاد الدائري. كما ينبغي النظر في استراتيجيات البناء للحد من انبعاثات الكربون.
وتتطلب استعادة النظم البيئية جهودًا متضافرة ومتكاملة، بما في ذلك إعادة تأهيل بيئة وادي غزة كمنظومة هيدرولوجية-بيئية فعّالة. كما يجب دراسة أي خطط تنطوي على استصلاح الأراضي الساحلية بشكل معمّق والمضي بها بحذر شديد لتجنب الآثار السلبية على النظم البيئية البحرية وموائل الأسماك وقدرة السواحل على الصمود في مواجهة المناخ.
وتُعد تعزيز الحوكمة وبناء القدرات المؤسسية أمرًا جوهريًا لضمان الاستدامة. فلا بد من زيادة القدرات المؤسسية داخل حكومة دولة فلسطين، وخاصةً لدى سلطة جودة البيئة، من أجل التنسيق والرقابة الفاعلة. ويجب أن تستند خطط التعافي إلى المعرفة والخبرة الفنية المحلية الفلسطينية – الكامنة لدى الأفراد والمؤسسات – والاستفادة منها لتعزيز فرص نجاح عملية التعافي.
الخاتمة: دعوة إلى إعادة إعمار متكاملة ومستدامة
يحدد هذا الإطار الاستراتيجي مسارًا للانتقال من الكارثة البيئية الراهنة في غزة نحو مستقبل قائم على الصمود والاستدامة. إن حجم التحدي هائل، ولكن الفرصة المتاحة لإعادة البناء بأسلوب يعالج مواطن الضعف البيئي المتجذرة ويؤسس لأسس مجتمع أكثر صحة وازدهارًا هي أيضًا هائلة.
والرسالة المحورية واضحة لا لبس فيها: إن إعادة الإعمار السليمة بيئيًا ليست ترفًا، بل هي المسار الوحيد الممكن للمضي قدمًا. فهي شرط مسبق للصحة العامة، ومحرك لاقتصاد متجدد، وحجر الزاوية للأمن والرفاه على المدى الطويل لسكان غزة. لذلك، فإننا نوجه نداءً مباشرًا إلى الشركاء الدوليين والوكالات الإنسانية والسلطات الفلسطينية للاتحاد خلف هذا الإطار المتكامل. فلنحرص على أن تكون إعادة إعمار غزة شاهدًا حيًا على التزامنا الجماعي بمستقبل يقوم على مبادئ الاستدامة البيئية والكرامة الإنسانية الراسخة.